يوميا لكل محامين مصر مع صباح القانون نناقش و نبحث سويا في تفسير معلومة قانونية واجب الإلمام بها، و ذلك من أجل النهوض بالمستوى العلمي و الثقافي لشباب المحامين







الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

الدكتور أحمد مهران : لهذه الاسباب قانون الارهاب غير دستوري




صرح الدكتور أحمد مهران أستاذ القانون بكلية الحقوق جامعة بيروت ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية عن رفضه بعض نصوص القرار بقانون لمكافحة الإرهاب الذي أصدرته مؤسسة الرئاسة أمس ، باعتباره يشكل مخالفة جسيمة لنصوص الدستور ، ويكرس لحالة طوارئ غير معلنة وغير محددة المدة ويؤسس لنظام قضائي استثنائي -  ونظرًا لعدم انضباط نصوص التجريم الواردة في هذا القانون، فإن تطبيقه يسهل قمع بعض الحقوق والحريات كحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وحق تكوين الجمعيات
كما أشار أن تعريف الارهاب جاء وفق نصوص مطاطة وفضفاضة ، يساوي بين الأحزاب والنقابات والمنظمات الحقوقية وبين التنظيمات الإرهابية ، بصورة تجعل من الصعب على الأجهزة الأمنية  – حين تطبيقه – أن تفرق بين أنشطة التنظيمات الإرهابية، والأنشطة التي تقوم بها كيانات سياسية وحقوقية سلمية ونقابات وصحف ودور نشر
 نحن لا ندافع عن الارهاب وإنما لدينا إيمان حقيقي بأن الارهاب بجميع وسائله وإن كان اعتداءً صارخاً على الأمن القومي والنظام العام إلا أن شرعية المواجهة تتطلب الالتزام بإحترام القانون بكل ما يحميه من حقوق وبكل ما يوفره من ضمانات
والقول بأن مواجهة الارهاب يكون بإصدارات  تشريعية هو تضليل للرأي العام وإن إصدار مثل هذه النصوص يؤكد فشل الدولة فى إستخدام الحلول الأمنية ويؤكد أيضاً الاتجاه نحو الانهيار المزري لركائز دولة القانون عن طريق التضحية بالدستور والقواعد القانونية المستقرة والنظام القضائي المصري العريق من اجل محاربة الارهاب وهو ما يوصلنا إلي حقيقة لا خلاف فيها ألا وهي فشل الدولة فى تحقيق التوازن بين حماية الأمن القومي من جهة وحماية الحقوق والحريات من جهة اخري ، لطالما طالبنا بأن يكون هناك حوار مجتمعي سياسي قبل القانوني من أجل التوصل لخطة جادة وفعالة للتصدي لجذور التطرف والعنف وأننا نعرب عن بالغ قلقنا من تجاهل الحكومة المتواصل لهذا المطلب، واستمرارها في مواجهة الإرهاب بوسائل بالية وتعديلات تشريعية غير ذات جدوى وستأتي بنتائج عكسية
و تبرز مشكلات هذا القانون الارهاب بداية من (المادة الثانية ) والتى انطوت على  مصطلحات (النظام العام، السلام الاجتماعي، الوحدة الوطنية) كل هذه المصطلحات يسهل انطباقها على أي شخص، وهو ما يعد مخالفة لمبدأ شريعة الجرائم والعقوبات والتي نصت عليها المادة 95 من الدستور وأكدتها أحكام المحكمة الدستورية العليا. كما أن المادة نفسها قد اعتبرت العمل الإرهابي "هو كل سلوك يرتكب بقصد تحقيق أحد الأغراض المبينة بالفقرة السابقة" ويتضح من صياغة هذه العبارة أن هناك رغبة في توسيع تعريف العمل الإرهابي ليشمل "كل سلوك" ولم تشترط الفقرة الثانية أن يكون هذا السلوك عنيفًا، وهو ما يعني أنه حتى إذا كان هذا السلوك سلمي كتنظيم وقفات احتجاجية أو كتابة المقالات أو عقد المؤتمرات، فمن السهل اعتبارها عمل إرهابي إن رأت الجهات الأمنية  أنها تضر بــ "الأمن القومي أو السلام الاجتماعي" كما ان المشرع ساوى بين من يرتكب الجريمة ومن يحرض عليها ومن يخطط لها تلك الصور التى فرق بينها قانون العقوبات ووضع لكل صورة عقوبة مناسبة لها وذلك بالمخالفة لنص المادة ٧٣ من الدستور  للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة، والمواكب والتظاهرات، وجميع أشكال الإحتجاجات السلمية، غير حاملين سلاحًا من أى نوع، بإخطار على النحو الذى ينظمه القانون
وحق الاجتماع الخاص سلمياً مكفول، دون الحاجة إلى إخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضوره أو مراقبته، أو التنصت عليه.
كما أن المشرع أغفل ركناً من أركان الجريمة والذي بدونه لا  تكتمل  الجريمة وتجوز المسائلة الجنائية وهو الركن المعنوي بالمخالفة للقواعد العامة فى القانون العام وبالمخالفة لمبدأ الشرعية الجنائية
إن قانون الارهاب بشكله الحالي سبه في جبين دولة القانون والمؤسسات وجبين العدالة بأن يضع المشرع نظام قضائي استثنائي يهدر ضمانات المحاكمات العادلة والمنصفة حين أنشأ محكمة خاصة للنظر في قضايا الإرهاب ووضع نظام قضائي استثنائي لعمل تلك المحاكمة، وطريقة الطعن على أحكامها. وهو ما يرسخ لنظام المحاكمات الاستثنائية على غرار محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، كما أنه يعمد إلى تعديل النظام القضائي الجنائي فيما يخص الجرائم الإرهابية ، وأن إجراءات العمل بهذه المحكمة  والطعن على أحكامها تخل إخلالًا جسيمًا بالحق في محاكمة عادلة ومنصفة، وكذا بضمانات الدفاع وبالمخالفة لنص المادة ٩٧ من الدستور التقاضى حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، و تعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعى، والمحاكم الاستثنائية محظورة

إن قانون الارهاب يتحايل على الدستور فى تطبيق الطوارئ دون إعلان حالة الطوارئ
 ضرب المشرع عرض الحائط بسيادة القانون حين أجاز القانون بموجب المادة ٥٣ لرئيس الجمهورية إعلان حالة طوارئ مقنّعة تحت مسمى "أخطار الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية" لمدة لا تجاوز 6 أشهر يجوز تجديدها لمدد أخرى بعد موافقة أغلبية البرلمان ومن ثم يمكن أن تعلن هذه التدابير بصورة مؤبدة مثلما حدث في السابق وتم تأبيد حالة الطوارئ لفترة تجاوز 30 عامًا.
 انتكاسة وانقلاب على ثورة ٢٥ يناير وثورة ٣٠ يوليه حيث ان المشرع فى المادة ١٨ جرم المطالبة بتغيير النظام أو الحكومة أو الاعتراض على أي من سياسات الدولة وتعرض من يطالب بمثل هذه الحقوق المشروعة للسجن المؤبد، بالمخالفة  لأحكام الدستور التي تكفل حرية الرأي والتعبير والتى تنص على أن السيادة للشعب وحده يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات 
تدابير غير دستورية جاءت فى نَص المادة ٣٧ تسمح للمحكمة الحق فى تقيد حرية التنقل والإقامة وتسمح بتهجير المواطنين وذلك بالمخالفة لنص المادة ٦٢ من الدستور والتى أكدت على حرية التنقل والإقامة والهجرة وعدم جواز ابعاد اي اي مواطن عن اقليم الدولة ولا منعه من العودة اليه
انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمواطنيين حيث جاء فى المواد ٤٠ ، ٤٥ ما يسمح بانتهاك خصوصية المواطنين وإخضاع هذا الانتهاك لسلطة وتقدير القائم على القانون - الأمن - وتمنح مأمور الضبط القضائي سلطات واسعة تقتل معها حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وتسمح بدخول المنازل وتفتيشها دون ضوابط قضائية وبالمخالفة لنصوص الدستور المادة ٥٨  للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أوالاستغاثة لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى مسبب، يحدد المكان، والتوقيت، والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن
كما المادة ٤٦ من قانون مكافحة الإرهاب الذي تم إقراره رسميا: تسمح للنيابة العامة أو سلطة التحقيق المختصة، بحسب الأحوال، في جريمة إرهابية أن تأذن بأمر مسبب لمدة ﻻ تزيد على 30 يوما قابلة للتجديد مدة أو مددا آخرى مماثلة، بمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل اﻻتصال السلكية واللاسلكية وغيرها من وسائل اﻻتصال الحديثة ولها أيضا تسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر شبكات اﻻتصال أو المعلومات أو المواقع الإلكترونية وما يدون فيها، وكذلك ضبط المكاتبات والرسائل العادية أو الإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بجميع أنواعها
 كما جرمت المادة ٢٩ من القانون حرية استخدام الانترنت ووسائل الاتصال وبخاصة شبكات التواصل الاجتماعي وعرضت صاحب اي رأي مخالف لسياسة الدولة للسجن المشدد
 وذلك بالمخالفة لنصوص الدستور المادة ٥٧ للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائى مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.
كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدام وسائل الاتصال العامة بكافة أشكالها ، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفى، وينظم القانون ذلك.
المواد ٣٥ ، ٣٦ من القانون تقييد حرية الصحافة والإعلام وحرية تداول المعلومات وتمنع بث الحقائق والوقائع عبر مصادرها الحقيقية كبث المحاكمات التى اصبح من المتعارف عليه فى القضاء المصري فى الفترة السابقة وذلك بالمخالفة لنصوص الدستور المواد ٦٨ ، ٧٠ ، ٧١ - المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً.
حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية أو اعتبارية، عامة أو خاصة، حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ، ووسائط الإعلام الرقمى.
وتصدر الصحف بمجرد الإخطار على النحو الذى ينظمه القانون. وينظم القانون إجراءات إنشاء وتملك محطات البث الإذاعى والمرئى والصحف الإلكترونية.
يحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز إستثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة.
ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض علي العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون.
كما ان المادة ٢٨ من هذا القانون جرمت حرية الفكر والتعبير وشكلت اعتداء صارخ على الحق فى الكتابة والترويج للأفكار وتعرض كل صاحب رأي مخالف لسياسة الدولة للسجن وهو ما يعارض نص المادة ٦٥ من الدستور حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
 المادة ٨ من القانون سبه فى جبين دولة القانون لا يسأل جنائيا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر .
ولا حاجة لمثل هذه المادة متى كان عمل القائم على تطبيق احكام هذا القانون ملتزما باحترام الدستور والقانون مستخدما الحق فى الدفاع الشرعي بما يتناسب مع شكل وحجم الخطر الذي يهدد الحياة فى النفس او الغير  باعتبار ان الدفاع الشرعي احد أسباب الإباحة إلا أن النص جاء ليشكل حماية وميزة خاصة للقائمين على تطبيق هذا القانون  وذلك بالمخالفة لنصوص الدستور
مادة ٥٥ - كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا فى أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شىء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون.
وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه.
أقولها وبكل صدق وإخلاص لهذا الوطن أنني أعي خطر هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة العنيفة واستوعب خطورة ما تقوم به من جرائم وأرفضها تماماً إلا أن مواجهة تلك الجرائم بهذه التشريعات المعيبة يهدد كيان دولة القانون ودولة المؤسسات ومن شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية يتفاقم معها خطر الارهاب لاسيما وأن بالقانون العديد من النصوص الغير دستورية والتى من شأنها أن تهدم القواعد الدستورية والقضائية المستقرة بوجداننا 
ولا عيب فى أن نعلنها صراحةً بإعلان حالة الطوارئ متى كانت الظروف السياسية والأمنية في مصر تقتضي ذلك ، نحن فى حالة حرب مع الارهاب وما يحدث فى مصر من مواجهات خطيرة ضد الارهاب الأسود يكشف عن وجود حالة ضرورة وخطورة تستلزم تعطيل احكام القانون واتباع إجراءات استثنائية فى مواجهة هذا الخطر الذي يهددكيان الدولة ومؤسساتها ويضر بالامن القومي ويهدد سلامة المواطنين وأمن الوطن
لا عيب فى أن تبع أحكام استثنائية مؤقتة ومحددة بالمكان والزمان وتعطيل احكام القوانين العادية المعمول بها فى الظروف العادية متى كانت هذه الإجراءات الاستثنائية حماية للوطن وأمن وسلامة المواطنين ودفاعا عن مقدرات هذه الأمة وصيانة لمستقبلها