يوميا لكل محامين مصر مع صباح القانون نناقش و نبحث سويا في تفسير معلومة قانونية واجب الإلمام بها، و ذلك من أجل النهوض بالمستوى العلمي و الثقافي لشباب المحامين







الثلاثاء، 10 أغسطس 2010

مبدأ الأصل في الإنسان البراءة

مبدأ الأصل في الإنسان البراءة
القاعدة القانونية أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته

الكاتب: أحمد يحيى عبد الفتاح مهران
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948 على أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا حتى تثبت إدانته قانونا بمحاكمة علنية منصفة و بحكم قضائي صادر من محكمة مختصة و هو ما أكده مشروع حقوق الإنسان و الشعب في الوطن العربي الذي وضعه مؤتمر خبراء العرب الذي إنعقد في المؤتمر الدولي للدراسات العليا في العلوم الجنائية في سيراكوزا في ديسمبر سنة 1985، و ما نص عليه الدستور المصري في المادة (67) فقرة "1" منه و تعتبر القرينة الركيزة الأساسية لا جريمة و لا عقوبة بغير نص قانوني، إذ يفترض حتما قاعدة أخرى هي إفتراض البراءة في المتهم*.
* (مؤلف الدكتور أحمد فتحي سرور: "حماية الدستور للحقوق و الحريات")


و نتيجة لهذه القاعدة فإن إثبات التهمة يقع على عاتق النيابة العامة بوصفها ممثلة للإتهام و على المحكمة أيضا أن تبحث بنفسها من خلال المحاكمة عن هذه الحقيقة فإذا توافرت أدلة تفيد صحة الإتهام كان من حق المتهم تقديم ما لديه من أدلة لدفع ما توافر ضده.
أن تقرير قاعدة براءة المتهم تعتبر ضمانة وللمشتبه فيه من باب أولى فالاشتباه دون الاتهام، فإذا كان المتهم بريئا حتى تثبت إدانته رغم وجود مبررات لإتهامه فإن المشتبه فيه يكون أحرى بلإستفادة من هذا المبدأ بإعتبار أن إتخاذ إحدى إجراءات الضبط القضائي ضده لا يجعله متهما وعلى القائم بالتحريات الأولية أن يتصرف مع الشخص الذي تحوم حوله الشبهات على أساس أنه بريء وذلك يعتبر ضمانة له من أشكال التجاوز والتعسف.


أهمية مبدأ "المتهم برئ حتى تثبت إدانته" :
إن قاعدة "المتهم برئ حتى تثبت إدانته" تتفرع عنها قرينة براءة المتهم. والمشتبه فيه تطبق فيه القاعدة الأصلية إذا ما اعتبرناه غير متهم أو القاعدة الثانية إذا اعتبرناه متهما بالمفهوم الواسع للإتهام كما هو الشأن في بعض التشريعات. ولا غرو فإن أي قاعدة عندما توضع تهدف إلى تحقيق غاية محددة ويسعى واضعوها إلى حل مشكلة ما وإلا ما كان هناك داع لوضعها.

أهمية قاعدة براءة المتهم:
تلخص أهمية هذه القاعدة في كونها تشكل إحدى التطبيقات لقاعدة شرعية الإجراءات القانونية وتبرز هذه الأهمية فيمايلي :
(1) أنها تعد سياجا يقي الحريات الشخصية من أي تعسف أو تحكم من طرف أجهزة التحري عن الجرائم، فكل شخص يعد بريئا حتى تثبت إدانته وهو بذلك لا يطالب بإثبات براءته التي هي أصل وحقيقة ثابتة وعلى أعضاء الضبط القضائي الذين يباشرون تحرياتهم عند وقوع جريمة ما أن يبحثو عن الأدلة والقرائن والدلائل التي تجعل شخصا من الأشخاص مشتبها فيه وذلك باتباع الإجراءات التي ينص عليها القانون.


(2) افتراض براءة الشخص تستلزم تقييد حرية الموظفين المكلفين بمهام التحريات الأولية والتحقيق في الجرائم وذلك باتباع الإجراءات التي حددها المشرع فرجل الضبط القضائي عليه أن يتقيد بالشكليات والأعمال التي نص عليها قانون الإجراءات المدنية و الجنائية لتكون أعماله مشروعة، فتفتيشا لمسكن مثلا لا يجب أن يتم إلا في وقت محدد وطبقا لإجراءات مضبوطة كل ذلك حرصا من المشرع على حماية حقوق المشتبه فيه .


(3) تساهم قرينة البراءة في الحد من الأخطاء القضائية بحيث لا يدان أي شخص الا بناءا على أدلة يقينية تثبت ارتكابه للجريمة ومسؤوليته عن وقائعها .


(4) القاعدة تتفق مع التعاليم الدينية والأخلاقية التي توصي برعاية الضعفاء وعدم الإعتداء عليهم والمساس بحقوقهم لله در الخليفة أبي بكر الصديق(رضي الله عنه)حين قال "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه والضعيف قوي عندي حتى آخذ الحق له"


(5) عندما ترتكب جريمة ينشأ للدولة حق معاقبة المجرم حماية للنظام العام والأمن في المجتمع، ولكن البحث عن الشخص المرتكب للجريمة لا ينسيها حماية حقوق الأفراد وحرياتهم، فضرورة معرفة المجرم لا تبرر إدانة البريء فهدف الإجراءات القانونية هي الوصول إلى الحقيقة أي إثبات الوقائع ونسبتها إلى شخص بعينه على سبيل اليقين لا الشك .


ونلاحظ أن المشرع يحرص وهو يبين القواعد الاجرائية على حماية مصلحتين تبدوان في الظاهر أنهما متعارضتان مصلحة الفرد المتمثلة في أن لا يدان بريء وأن لا تنتهك حرياته وحقوقه بتمكينه طمن الدفاع عن نفسه باعتباره بريء حتى تثبت ادانته، ومصلحة المجتمع ونظامه المتأثر نتيجة ارتكاب جريمة تقتضي معاقبة مرتكبها ووسيلته في ذلك تقرير مبدأ حرية الاثبات في المواد الجنائية.


مما سبق نستخلص أن الاجراءات القانونية الرامية الى الكشف عن ملابسات الجريمة تستلزم حدا أدنى من المساس بحقوق وحرية الأفراد لكن بالقدر الضروري واللازم للكشف عن ظروف ارتكاب تلك الجريمة والتعرف على مقترفها، وهذا القدر تضبطه قواعد قانون الاجراءات مع مراعاة احترام مبدأ الأصل في الانسان البراءة .


إن قرينة البراءة تجعل المشرع وهو يضع القواعد الاجرائية يحتاط ولا يسمح لأعضاء الضبط القضائي المساس بحرية وحقوق الأفراد إلا بالقدر الضروري للوصول الى الحقيقة من هنا كانت قاعدة مبدأ الأصل في الانسان والبراءة تحتل مركزا هاما بالنسبة للشرعية الاجرائية بل يمكن اعتبارها جوهرها وبناءا على ما بيناه فإن المشرع يضع كل القيود والشكليات التي يجب مراعاتها عند تنفيذ مختلف الاجراءات الجنائية فتلك القيود والشكليات هي الضمانة الحقيقية للمشتبه فيهم وهذا ما يقرره الدكتور أحمد فتحي سرور "كل اجراء جنائي يسمح به القانون يجب أن يكون مقيدا بهذه الضمانات درءا لخطر التحكم في مباشرته والا كان مخالفا لقرينة البراءة "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق